أرشيف

ولًّى زمن الجواري والعبيد إلا في اليمن السعيد!

هل ولّى زمن العبوديَّة؟ سؤال يحصد تلقائيًّا الـ "نَعم" أينما طرح… إلا في اليمن، حيث لا تزال ظاهرة العبيد والجواري حاضرة في محافظتي "حجة" و"الحديدة"، وفي منازل بعض المشائخ والنوَّاب، لتضيف حالة بؤس إلى قوائم المشاكل الاجتماعيَّة التي يعاني منها هذا البلد. وتسقط عن "العبيد والجواري" في اليمن جميع الحقوق المدنيَّة، ويستفاد من بعضهم خلال فترات الانتخابات فقط، بينهم من ينجح بكسر الأغلال، فيهرب إلى السعودية أو إلى الحديدة.

 قرون ولّت وأخذت معها حكايات العبودية والجواري إلى أدراج التاريخ، إلا في محافظتين من محافظات اليمن الـ21 وهما "حجة" (127 كيلو مترًا عن صنعاء) و"الحديدة" (226 كيلو مترًا) الساحليتين والواقعتين إلى الغرب والشمال الغربي وتطلان على البحر الأحمر. وتأتي ظاهرة العبوديَّة والجواري التي أعدّت لها أسبوعيَّة المصدر اليمنيَّة ملفًا خاصًا نشرته الأسبوع الماضي، لتضيف قصّة بؤس جديدة إلى قوائم المشكلات الاجتماعيَّة والسياسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة التي يعاني منها اليمن.

إيلاف تحدّثت إلى الصحافيّ اليمني عمر العمقي صاحب السبق، الذي أكّد انتشار الظاهرة في عدد من المديريّات وكذلك في منازل المشائخ وغيرهم بما فيهم اعضاء مجلس النواب، بينما توسّع المدير التنفيذي للمنظمة الوطنيَّة للحقوق والحريَّات المحامي خالد الآنسي في الموضوع ليتحدّث لـ إيلاف عن "أصناف للعبوديَّة" تشمل فئة المهمشين السود، أو ما يعرف بـ "الأخدام".

محافظات العبودية!

يؤكّد الصحافي اليمني عمر العمقي انتشار "العبودية والجواري" في عدد من المديريات أبرزها مديرية "كعيدنة" و"خيران المحرق" في محافظة حجة ومديرية "الزهرة" في محافظة الحديدة. يضيف العمقي "يوجد بعض العبيد في منازل المشائخ وغيرهم بما فيهم أحد أعضاء مجلس النواب، ويلفت إلى أن مديرية كعيدنة تحوي نصيب الأسد من عدد الجواري والعبيد ذوي النزعة إلى التحرر أكثر من المديريات الأخرة. ويشير العمقي إلى أنَّ عددًا منهم يفرّ إلى المملكة السعودية أو إلى الحديدة.

مضايقات وحقوق ضائعة

عشة قناف

ينسب العبيد إلى أمّهاتهم في التسميات، ويروي العمقي قصَّة "قناف بن سيّارة" الذي سمّي على اسم والدته، وقد اعتقت الوالدة بعد أن أنجبت أربعة أبناء ليس لهم أب محدد ولا يعرفهم أحد باستثنائها، وأوردت قصّته صحيفة "المصدر". ويتابع العمقي قائلا إنَّه بعد نشر الرواية، تعرّض قنّاف لمضايقات من المشائخ بسبب جرأته على الظهور في الصحافة، وهرب إلى منطقة أخرى، بينما يخشى البقية الظهور خوفًا مما سيتعرضون له.

ويلفت الصحافيّ اليمني إلى أنَّه لا يسمح لـ"العبيد والجواري" بالتعلم، كما لا يحصلون على بطاقة الأحوال الشخصيَّة ولا على جواز سفر أو بطاقة ضمان اجتماعي، الأمر الناتج إمَّا عن التمييز أو لعدم وجود نسب لهم، ولو أنَّ الغالب على الأمر هو التمييز العنصري. يضيف العمقي "لكن بعضهم يستفاد منه في الانتخابات وتم منحهم بطاقة انتخابية فقط".

حالات معلّقة!

يقول الصحافي عمر العمقي إن عدد أعداد من يطلق عليهم تسمية "العبيد والجواري" في مديريتي خيران المحرق وكعيدنة تتجاوز الـ 500. يضيف "الاحتمال أن يكون العدد أكبر وأكثر، وخصوصًا مع المعلقين". ويوضح أنَّ "فئة ممن كانوا عبيدًا قد تحرّروا إلا أنَّ الكثير منهم لا يزالون معلقين أي ليسوا عبيدًا ولا أحرار، ويعيشون ظروفًا اقتصاديَّة صعبة تعيقهم من تكوين أنفسهم".

ويشير العمقي إلى غياب الدولة والدين بمفهومه الصحيح عن تلك المحافظات، موضحًا أن "بعض رجال الدين هناك يعتقدون أنَّ ليس في الاستعباد مشكلة وأن التاريخ الاسلامي كان فيه عبيد وجواري".

إرث أو إنسان؟

وحول الظروف التي أدت إلى استمرار هذه العبودية، يقول العمقي إن كثيرًا من هؤلاء هم عبيد متوارثون.. أي أنَّ نجل الشيخ يرث العبد أو الجارية من أبيه، مشيرًا إلى قصة الجارية "مصوعية" من مديرية "الزهرة" في محافظة الحديدة، وقد ورثها أحد المشائخ عن والده.

أما "زليخا" فقد أخذوها جارية في مديرية كعيدنة في حجة قبل 50 عامًا وهي رضيعة، وكانت قد توفيت والدتها، ثم عاشت في منزل أحد المشائخ فأصبحت جارية وتوارثها الإبن عن الأب، وأنجبت عدد من الأبناء أحدهم أحبط فهرب بابنته بعد وفاة زوجته إلى محافظة أخرى خوفًا من أن تصبح جارية.

الجمهورية بانتقائيَّة

من جانبه، يعود المحامي خالد الآنسي المدير التنفيذي للمنظمة الوطنية للحقوق والحريات "هود" لـ إيلاف إلى أصل المشكلة، والتي تبدأ بموضوع الثورة التي قامت قبل 48 عامًا، ولم تصل الجمهورية إلى تلك المناطق. يضيف ان الموضوع برمته مرتبط بالأمية وغياب سلطة الدولة في تلك المناطق معتبرًا أن مشكلة حرب صعدة ما كانت لتقوم لو وجدت سلطة الدولة. ويرى الآنسي أنَّ على الدولة اليمنيَّة التواجد في تلك المحافظات، ليشعر الناس بالحاجة إليها، والفائدة من تواجد النظام، ما قد يدفعهم الى التخلي عن قيم بالية تكرّس العبوديَّة.

مصوعية

غضّ النظر الرسمي

ويقول الآنسي إنَّ ظاهرة العبيد والجواري تكشف خللاً في العمل بين النخب المثقفة والسياسيّة التي جعلت محافظة حجة وسواها خارج خارطة اليمن. ويعلّل أسباب الظاهرة بأنَّها تكمن في أنَّ بعض من يمارسون هذه الأفعال لهم اتصالات في الشأن العام، ويمتلكون العبيد والجواري، وهم شخصيّات كبيرة ولديهم علاقات سياسيَّة قويَّة، وقد يكون منهم أعضاء في مجلس النواب ومجالس أخرى بمعنى أنهم بصورة أو أخرى عايشوا المشكلة وعرفوا بها.

ويتحدث عن دور المؤسسة الدينية والتربوية والسياسية في معالجة هذه المشكلة لكنه لاحظ ان هناك نوعًا من الهروب من هذه القضايا في الوقت الذي تنظم فيه الحملات لإنقاذ الآخرين في أنحاء أخرى في العالم منها جانب الدعوة إلى الإسلام.

للعبوديَّة أصناف!

ويلفت المدير التنفيذي لمنظمة "هود" إلى وجود أصناف من العبوديَّة في اليمن، موضحًا أن العبيد والجواري في حجة هم لأشخاص معينين لكن هناك فئة أخرى وهي المهمشين السود أو "الأخدام" وهؤلاء رقيق وعبيد لمجتمع بأكمله وللأسف نجد أنه لم يحرك هذا المجتمع ساكنًا.

الكلّ مسؤول

ويحمّل الآنسي المسؤولية في فئات من يسمون بالعبيد والجواري والأخدام إلى الدولة والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية وكل الفئات، معتبرًا أن وجود الدولة في المركز لا يكفي، وأن منظمات حقوق الإنسان لا تزال تمارس دورًا محدودًا ضمن إطار فئوي وجهوي، ولم تتّسع لتشمل القرى والمحافظات وتخرج من إطارها المحدود إلى المدن الأخرى. ويورد أنّ المنظمات تعمل في المراكز بسبب الحماية المتوفرة في المدن من حماية إعلامية أو حزبية أو غيرها من الأطر التي تعمل من خلالها المنظمات.

ايلاف-غمدان اليوسفي

زر الذهاب إلى الأعلى